Tuesday, 10 March 2015

بوح يتيمة ..




  اليك يا أبتي الشهيد باذن الله ..
إليك يامن لم تره عيناي يوماً.. 
إليك ياحلما جميلا راودني في يقظتي ومنامي...
إليك يادمعاً ذرفته في سري وإعلاني..
إليك يابدراً لاحقته كل ليلة ..
ونجماً أهديته قبلاتي وأشواقي ... 
إليك يا أبتي الحبيب أهدي زفراتي وآهاتي التي طالما أخفيتها .... عشرون عاماً مضت... ربما أكثر ..  
كنت طفلة لم تبلغ سن الفطام بعد..
ولم تجيد ذكر حروفك لتنطق باسمك .. 
دون أن تطبع على جبيني الصغير قبلة الوداع .... رحلتْ !!!!!!!   نعم .. رحلت الى عالم عجز عقلي الصغير عن تصوره وتخيله .. خذلتني قدماي الصغيرتين فلم أعد أقوى على الوقوف بجانب ذلك الباب أنتظرك كل مساء.. 
وخانتني ذراعي وهي تبحث عنك لتضمك فتعود مكسورة الخاطر .. 
لم تعد هناك حيث كنت أراك وأجدك ... 
  واختفت البسمه !!!! 
وكبرت تلك الطفلة في داخلي..
وكبر حلمي ، و أصبحت قادرة على الوقوف على سطح  المنزل ، لتسبح عيناي في الأفق البعيد، متأملة طيفك عائداً عبر ذلك الطريق الطويل  المؤدي الى مدرستي ... 
عند كل غروب للشمس انتظرت عودتك يا أبتي ..
حتى أحكي لصويحباتي أني وجدت أبي ولم أعد يتيمه !!!
ولكن !!!!  
يوماً بعد يوم .....وعاماً بعد عام ... 
  قالوا لي بكل لغات العالم ... رحل أبوكِ يا ابنتي ...
رحل ولن يعد ... 
رحل برصاص الغدر والظلم الى جوار ربه باذن الله ..
الى جنة عرضها السماوات والارض..  
نعم رحل ولم يعد !!!!   
لم يعد ليقبلني قبلة المساء ...
لم يعد ليهنئني بنجاحي .. 
ولم يعد حتى ليؤنبني على خطأ اقترفته..
عيد بعد عيد لم يعد الحبيب حاملًا بيده فاكهتي و لعبتي المفضله ... 
وتساقطت أوراق السنين ولكن الراحل لم يعد أبداً !!!!!.

تشهد وسادتي كم بكيتك يا أبي .. يشهد قلمي كم استنزفت حبره مسطرة  رسائل شوق إليك، لم تجد طريقها الى البريد يوما ...
تشهد الليالي كم سهرتها يا أبتي وكم قطعت سكونها بدعائي أن ألقاك يوماً .. 
تشهد صورتك الممزقه التي لا أملك سواها كم قبلتها وتأملتها طويلا ..  
ولكنك لم تعد ...!!!  
لطالما وددت أن يكون رحيلك كذبة أو حتى مزحة..!!!. 
.. لطالما حلمت أنك ستشتري لي ثوب زفافي الأبيض  وتطوق  رقبتي بعقد يحمل حبك  ..
لطالما حلمت أنك ستأخذ بيدي إلى بيت فارس الأحلام الذي اخترته لي  ...   تنصحني و تحدثني حديث أب لابنته ليلة زفافها...
لطالما حلمت أنني سأرى طيفك أمامي تطرق بابي لتقول: كيف أنت يا ابنتي الحبيبه .. 
كيف هم اطفالك..وتجمعهم حولك بكل حنان حاملاً بين جوانحك كل الحب والدفء..  
لطالما حلمت عندما كنت طفله أن أنطق باسمك وأناديك أبي .. 
أغلقت بابي مرارا ً وتواريت عن الأعين ..
وقفت أمام مرآتي أحاول أن أنطق كلمة ... بابا... 
أقلد قريباتي وصاحباتي.. مرة تلو الأخرى وأنا أسال نفسي..   ياترى كيف تقال هذه الكلمه ؟ كيف هو الشعور الذي يصاحبها  هل سأقولها يوماً أم كتب علي اليتم الى الأبد؟  
دموع حارقة تنساب على وجنتاي ،وغصة تخنقني ،
وتعتصر روحي فتوقظني .. لاصطدم بجدار الواقع مرة اخرى . ألتفت حولي فلا أملك سوى الدعاء ..  
رحمك الله يا أبتي الحبيب..
لم اجرؤ يوما على البوح بمشاعري تجاه فقدك ..
ولم أعبر يوما عن شوقي لك وليديك الحانيتين تداعبان شعْري ..
فقد كان محرماً ذاك الحديث عن الشهداء 
حتى ظن الجميع أني بخير ولم أفتقدك يوماً ..  
ولكن ها أنا ذا أخيراً... 
أخرج عن صمتي بعد مرور أكثر من خمس و عشرين عاما لأسطر هذه الكلمات علها تكون شاهدة على حبي لك ، 
شاهدة على شوقي اللذي لم يجف يوما ً ..
عذرا منك يا أبتي إن كنت قصرت في الدعاء لك يوماً...
عذرا ً منك الى يوم الدين .. 
  أحببتك دون أن أراك وسأبقى أحبك ماحييت ..  
رويت بدمائك الطاهره ثرى الوطن وكنت رجلًا في زمن قل فيه الرجال..
كنت وسام عز وشرف على صدري ..
نعم رحل جسدك ولكن روحك ساكنة بي الى الابد ..
  الى جنان الخلد يا أبتي ..
غفر الله لك وأسكنك فسيح جناته وجمعني بك في عليين انه القادر على ذلك ..
  ابنتك التي لن تنساك ...

المغتربه
..****


والدي هو شهيد مجزرة حماة 82
محمود حوى 
على يد حاكم النظام البعثي الغادر 
حافظ الاسد ..
سوريا 

No comments: